lundi 10 octobre 2022

القانون الإطار الجديد للنظام الصحي: هل يبتعد النموذج المغربي عن الدولة الاجتماعية؟ بقلم الطاوجني سعد. مارايانا . 8 أكتوبر 2022

 

سعد الطاوجني، خبير في الدراسات السياسية والقانونية والاقتصادية في الصحة والحماية الاجتماعية

 
https://marayana.com/laune/2022/10/08/64082/ 

يبتعد المغرب كل يوم عن النموذج الاجتماعي المهيمن في أفضل البلدان في مجال الصحة العمومية، حيث يكون القطاع العام في الخطوط الأولى. كما أننا نبتعد كل البعد عن مقولة بنيامين ديسريلي (Benjamin Disraëli)، رئيس الوزراء البريطاني المحافظ في 1878:الصحة العمومية هي أساس سعادة الشعب وقوة الدولة (…) لهذا أعتبر أن الصحة العمومية هي الواجب الأول لكل رجل دولة

التحليل المقارن للقانونين الإطارين لعامي 2011 و2022 المتعلقين بالنظام الصحي، إلى جانب رصد تشابهات قوية واختلافات بسيطة وكذلك بعض التراجعات في مسؤولية الدولة، يثير تساؤلات عديدة حول حقوق المرضى والمهنيين والجوانب السياسية والقانونية والمؤسساتية وعن الموارد البشرية والتمويل والرقمنة والحكامة وجودة الرعاية والتكلفة المناسبة واللامركزية، إلخ.

قبل كل شيء، من الواضح أن القانون الإطار الجديد (06ـ22) نسخ النص (34ـ09) الذي سبقه إحدى عشر سنة خلت في مجمل مواده، دون ذكره ولو مرة واحدة ودون الإعلان عن إلغائه لا ضمنيًا ولا صراحةً. أين ذهب قانونيو الأمانة العامة الحكومة، الهيئة المسؤولة عن التحقق من مطابقة المشاريع القانونية للأحكام الدستورية وتوافقها مع النصوص التشريعية والتنظيمية المعمول بها؟

لماذا تم حجب قانون لا يزال ساري المفعول، وكذلك مرسومه التطبيقي المفصل (ذو 57 مادة بما فيها تلك المتعلقة بالخريطة الصحية ومسار الرعاية)؟ لماذا لم يتم الاكتفاء بتغيير بعض مواد القانون الإطار القديم؟ لماذا لم تُصْدر كل مراسيمه وقراراته التطبيقية؟ لقد رصدت منظمة الصحة العالمية عددا كبيرا من النصوص التي لم تر النور مطلقًا والمتعلقة بـمعايير الصحة والجودة والسلامة والاعتماد والحوكمة والنظام المعلوماتي والمؤسسات الاستشارية، والشراكة بين القطاعين العام والخاص؛ كلها مجالات أساسية للإدارة اليومية للقطاع، ولا تتطلب خوض مسار تشريعي جديد بأكمله.

فيما يتعلق بالشكل، كان التجديد في إضافة ديباجة (من صفحة ونصف)، أطول من ديباجة الدستور (صفحة واحدة)، والتي تحتوي على مضامين متناقضة في بعض الأحيان مع مواد النص. ما هي القيمة القانونية لديباجة قانون إطار في المغرب؟ من المؤكد أن ليس لها قيمة ديباجة الدستور الفرنسي لعام 1946، الذي أدى إلى القرار الشهير للمجلس الدستوري.

من ناحية أخرى، من خلال حذف عنوان الفصل الأول: “مسؤولية الدولة في تحقيق أهداف ومبادئ المنظومة الصحية”، واستبداله بـ “أحكام عامة”، وشطب الفقرة الأخيرة من المادة الثانية: “تقع إعمال هذه المبادئ أساساً على عاتق الدولة،” يتَبيَّنُ لنا بوضوح هدف المُشرِّع.  كما تؤكد الإشارة إلى المادة 31 من دستور2011، التوجه الاستراتيجي للدولة الذي لم يعترف، إلا في دستوره الخامس بعد الاستقلال، بالحق في الصحة والحماية الاجتماعية وذلك بعد تذويب مسؤولية الدولة وتقاسمها مع 269 مؤسسة عمومية، و1625 مجموعة ترابية (ذات الميزانيات الاجتماعية الهزيلة) ومع الساكنة (التي يعيش ثلثاها في هشاشة).

في تصريحاته العديدة وعروضه التقديمية، أصر وزير الصحة والحماية الاجتماعية على الدور المحوري للقطاع الخاص. غير أن المناطق القروية والجبلية الفقيرة التي لا يستثمر فيها القطاع الخاص تعرف نقصاً حاداً في الموارد البشرية الصحية وتدهوراً في الخدمات، كما هو الحال مع الانخفاض الدراماتيكي في عدد أطباء التخدير والإنعاش والجراحة في جميع أصنافها. نحن نقترب من النموذج الليبرالي الأمريكي دون امتلاك وسائله ومؤسساته الخيرية وعدالته؛ مع العلم أن تكلفته عالية ونتائجه سيئة من حيث التضامن، الإنصاف والولوج إلى العلاج. المغرب، البلد الذي يصنفه البنك الدولي بين البلدان المتوسطة الدخل في الشريحة الدنيا، يبتعد كل يوم عن النموذج الاجتماعي المهيمن في أفضل البلدان في مجال الصحة العمومية، حيث يكون القطاع العام في الخطوط الأولى. كما أننا نبتعد كل البعد عن مقولة بنيامين ديسريلي (Benjamin Disraëli)، رئيس الوزراء البريطاني المحافظ في 1878 : “الصحة العمومية هي أساس سعادة الشعب وقوة الدولة (…) لهذا أعتبر أن الصحة العمومية هي الواجب الأول لكل رجل دولة”.

التكوين الطبي والبحث العلمي

تحتوي مسودة المشروع على مستجد آخر يتمثل في رغبة وزير الصحة والحماية الاجتماعية في التكلف بهاذين المجالين الذين يوجدان حالياً ضمن اختصاصات وزير التعليم العالي؛ وقد علل هذا الطموح بتمكين المتخرجين من الاستفادة من التطور التكنولوجي، كأن الصحة العمومية تمتلك أحسن التجهيزات. كيف سيتم توزيع المهام والمسؤولين والموارد المالية والمادية بين الوزارتين؟ وهي أشياء معقدة ومتشابكة، لدرجة أن الفصل لن يكون بدون أضرار على الوزارتين، وأكثر إزعاجًا لعملية التكوين المتذبذبة.

أمام ندرة الأساتذة الجامعيين والمُؤَطِرين، من سيُكوِّن سنويًا 3300 طبيب وصيدلي وطبيب أسنان؟ وهو وعد قديم للدولة مع المنظمة العالمية للصحة تم تأجيله إلى 2030. كيف ستكون جودة هذا التكوين؟  علما أن العديد من المراكز الاستشفائية الجامعية التي تم إنشاؤها مؤخرًا لا تملك التخصصات الأربعين اللازمة لتستحق هذا التصنيف .(CHU) على سبيل المثال، فإن المركز الاستشفائي لطنجة، الذي شُرِع في بنائه سنة 2015 ولم يبدأ تشغيله إلى حدود الآن، يعرف عدة مظاهرات من طرف المتدربين تطالب بتحسين جودة التكوين التي تتم حاليا في مستشفيات الصحة العمومية الإقليمية. المراكز الاستشفائية الأخرى تعرف نفس المظاهرات. ومع ذلك، تلتزم الحكومة ببناء ثلاثة مراكز استشفائية جامعية (CHU) وثلاث كليات طبية جديدة. لا أحد يعرف كيف سيكون تكوين الأطباء فيها؟

كنتيجة منطقية لانخفاض جودة التكوين والتدريب، لا يتقدم عدد كاف من المرشحين لشغر المقاعد الممنوحة للأطباء الداخليين وللمقيمين اللذين يفضلون متابعة تكوينهم في الخارج. السؤال المطروح هو: من سيتكلف بصحة المغاربة في السنوات القادمة ومع أي جودة في التكوين؟ هذه الأسئلة تطرح بنفس الحدة في كليات الطب الخاصة.

ومع ذلك، يريد المغرب أن يضاعف نسبة المهنيين الصحيين لـكل 10000 نسمة. سوف ننتقل من 17.4 في عام 2022، إلى 24 مهنيًا في 2025، وهو شيء شبه مستحيل. وحتى مع هذه الزيادة، من الصعب الحديث عن تغطية صحية شاملة، حسب المعاييرالدنيا القديمة للمنظمة العالمية للصحة المحددة في 45. مؤخراً، طالب باحثون بإيصال هذه النسبة إلى 108،9. من جهتها، فإن لجنة النموذج التنموي الجديد لم توصِ إلا بالنسبة القديمة.

من ناحية أخرى، فإن راتب الطبيب في الوظيفة العمومية يساوي راتب موظف حائز على الماجستير، وهو ما أساء كثيراً إلى هذه المهنة. بعد 17 عامًا من المطالب، قبلت الدولة تعويض الحاصل على الدكتوراه في الطب كالحائز على الدكتوراه في الآداب أو العلوم.  إلى يومنا هذا، لم يتوصل الأطباء بأي أداء وبعضهم لن يستفيد قبل 2024. التعويضات عن الحراسة أو الإلزامية منخفضة بشكل غير طبيعي (من 72 إلى 386 درهم لكل حصة مكونة من 12 أو 16 ساعة). وهي تعويضات دنيئة مقارنة مع مثيلاتها في القطاع الخاص.

بالإضافة إلى ذلك، ربط القانون الإطار الحالي أجرة مهنيي الصحة والتقنيين والإداريين بالأعمال المهنية التي ينفذونها. هنا، يدخل محررو المشروع في مجال مجهول وصعب لم يدرسوا بما فيه الكفاية المخاطر والمتطلبات المسبقة والعواقب. أولاً، من الضروري أن يكون لديك نظام معلوماتي قوي يسمح بدفع مستحقات” الموظفين” في آجال معقولة، وقبل كل شيء أن يكون مُؤمَّنا من أي تلاعب، بحيث يتم إدخال الأعمال المهنية في قاعدة البيانات للمنتج الحقيقي طبقا للفواتير المرسلة لصناديق التأمين التي عليها كذلك أن تراقب مطابقة تصنيف الأعمال للجدول الرسمي، وهو ما سيكلفها كثيراً من الموارد البشرية ومن الوقت في طلب معلومات إضافية وفي التعويض. يجب علينا أيضًا الانتباه إلى التباينات بين أعمال التخصصات الطبية والتخصصات الجراحية. الفوارق الإقليمية سيكون لها أثر قوي على دخل الأطباء من نفس التخصص وفقًا لمكان التعيين أو التوظيف. كما يجب أن نأخذ بعين الاعتبار أن تعريفة المستشفى العام أقل من تلك المطبقة في القطاع الخاص، ويجب إيلاء اهتمام خاص لأتعاب أخصائيي التخدير. أخيرًا، يجب أن يكون لنا تقدير صحيح للميزانية الإجمالية المخصصة لهذه الطريقة العائمة في الأداء. بدلاً من كل هذه المتاهات التي لا يوجد لها مثيل في أي دولة اجتماعية، علينا أن نجد طريقة أخرى لتحفيز المهنيين الذين تعرضوا للحيف لعدة سنوات. بعد إعادة تقييم الأجور والتعويضات، ستكون المكافأة المرتبطة بإنتاجية جميع الموظفين واحدة من السبل التي يجب استكشافها في مصلحة الجميع؛ وهو موضوع يستحق المزيد من التفكير.

بالإضافة إلى ذلك، يجب إعادة الاعتبار إلى دور ومكانة الممرضات والممرضين في المنظومة وخلق ديبلوم ماجيستر في الممارسة المتقدمة للمساعدة في المناطق النائية.

أخيرًا، لا يزال السؤال المزعج: التكوين لماذا؟ لا علاقة لمناصب العمل المُحدثَة سنويًا (5500) بحاجيات الوزارة. هذا الرقم لا يكفي حتى لاستبدال المتقاعدين. كمثال على الخصاص الخطير في الموارد البشرية، نذكر أن عدد أطباء التخدير في القطاع العام انخفض من 250 إلى 200 في خضم أزمة كوفيد، مما أدى إلى أزمة صحية خطيرة وجدل قانوني غير مسبوق بين الوزير وممثلي ممرضي التخدير حين ألزمهم الوزير بتنفيذ عمليات جراحية عاجلة دون التغطية القانونية والطبية لأخصائي التخدير والإنعاش؛ علما أنه لا يمكنهم أداء بعض الأعمال الفنية المعقدة والأقل خطورة للمرضى. كما يشتكي الممرضون من الضغط النفسي ونقص السلامة في العمل. في هذه الظروف، يستمر البعض في الاندهاش أمام الهجرة غير مسبوقة للمهنيين، التي تتحمل فيها الدولة مسؤولية كبرى. سوف ينتظر المرضى الذين يتعين عليهم الخضوع للعمليات غير المستعجلة إلى أن يحل الوزير مشكلة الافتقار المقلق إلى أطباء التخدير الإنعاش والعديد من التخصصات الجراحية، إلخ.

المؤسسات الاستشارية

لم يتم خلق أي من الست مؤسسات استشارية المعلن عنها في قانون 2011. بل تم حذفها، بما في ذلك لجنة الأخلاقيات (Ethique)، رغم دورها البالغ الأهمية. كان من المتوقع أن يتم تأكيد سلطتها واستقلاليتها، وربطها مباشرة برئاسة الحكومة.

الهيئة العليا للصحة (HAS) و /أو الوكالة الوطنية للتأمين الصحي (ANAM)؟

الهيئة العليا للصحة (HAS)، التي سترى أخيرا النور «تتولى على وجه الخصوص: التأطير التقني للتأمين الاجباري للمرض، وتقييم جودة خدمات المؤسسات الصحية وإبداء الرأي في السياسات العمومية في ميدان الصحة ». هذه الصيغة المختصرة للغاية لا تعطي معلومات كافية عن النوايا الحقيقية للحكومة. في هذا المجال، تمنح تصريحات الوزير بعض المؤشرات حيث قال إن هذه الهيئة سيكون لها صلاحيات تنظيم (régulation) التأمين الاجباري عن المرض، لكن هذه المهمة تقوم بها حاليا الوكالة الوطنية للتأمين على المرض (ANAM)وفقًا للقانون 65-00 على التغطية الطبية الأساسية. هل يعني هذا أنه سيتم الاستغناء عن الوكالة؟

هنا، نبتعد عن المهام المخولة دوليا للهيئة العليا للصحة كسلطة علمية، متعددة التخصصات، مستقلة، مسؤولة عن ضمان جودة العلاج والرعاية الطبية والممارسات المهنية الجيدة، وبروتوكولات الرعاية، والخدمة المُقدمة في الأدوية واللقاحات والأجهزة الطبية والمعدات، إلخ، التي يقدمها عشرات الآلاف من المهنيين، ومؤسسات الرعاية، وشركات الأدوية، والتجهيزات الطبية.  فالهيئة هي التي تحدد معايير الجودة والوقاية والسلامة والاعتماد التي طالب بها العديدون. يجب أن نذكر أن جودة الرعاية هي أول أهداف التغطية الصحة العالمية حسب المنظمة الصحة العالمية، أما التمويل، فيأتي في المرتبة الخامسة. يبدو أننا ليس لنا نفس الأهداف.

غير أن الوكالة (ANAM) مكلفة بالسهر على حسن سير نظام التأمين الاجباري عن المرض (AMO) وتؤطر العشرات من المؤسسات المسيرة للتغطية الصحية الأساسية. هدفها الأول هو التوازن المالي للنظام وديمومته.

المؤسستان ضروريتان ويجب أن تظلا مستقلتين عن بعضهما البعض. الأولى لديها وظيفة علمية واستشارية، أما الثانية فلديها وظيفة تدبيرية لمراقبة النظام وتوازناته.

بالإضافة إلى ذلك، إذا كان الهدف هو إصلاح الوكالة، التي لم تنجح في مهمتها، فلا يجب أن ننسى أن ذلك راجع لكون الدولة لم تفوض لها نفس المكانة والاختصاصات كمراقبي القطاعات الأخرى، وبالأخص الوكالة الوطنية لتقنين المواصلات (ANRT). هذه الأخيرة تُعد أول وأبرز المؤسسات التنظيمية، وهي تتمتع بكثير من الاستقلال والإمكانيات، وتم وضعها تحت الوصاية المباشرة لرئيس الحكومة، في حين أنANAM   توجد تحت وصاية وزير الصحة. إذا كان لا جدال في فائدتها، فذلك مشروط بأن تتمتع بنفس السلطة الزجرية وأن تستعملها بشكل متزن.

هل هدا حقاً ما تريده الدولة؟ علما أن دور ANAM كان محصورا في التدبير المباشرة للراميد RAMED، حيث لعبت دور المراقب والمسير. لذلك، لم يكن لديها إنجازات تذكر. كما نُسِب إليها فشل مراجعة التعريفية المرجعية في عام 2020، رغم الإعلان الرسمي عنها، في حين أن التعريفة في آخر المطاف من اختصاص الوزير الذي يحددها بمرسوم يُنشَر في الجريدة الرسمية. عندما سُؤِل الوزير في مجلس المستشارين عن تضرر المرضى من كلفة العلاج، صرح بأنها يجب أن تكون ربحية للمرضى والعيادات. لقد وضع الوزير الطرفين على نفس المستوى، في حين لا توجد أي مساواة في المعرفة بينهما (Asymétrie d’information). لم يتحمل مسؤوليته خلال ثلاث سنوات، لإعادة النظر في التعريفة ولم ينقص من النسبة المتبقية على عاتق المرضى التي تتجاوز حاليًا أكثر من 50 ٪ من التكاليف الشاملة للعلاج. هذا المعدل لم ينخفض مند عقدين. اللجنة الخاصة للنموذج التنموي الجديد اقترحت الاكتفاء بتخفيض هذه النسبة إلى 30٪ بحلول عام 2035. إلى ذلك الحين، سيستمر المرضى في حالة هشاشة يتحملون هذا العبء ولسوف يتخلون عن العلاج.

التكلفة الصحيحة

لا يثير مشروع القانون الإطار بأي حال من الأحوال تكاليف الرعاية على غرار المبدأ البديهي “الرعاية المناسبة بالتكلفة المناسبة”. يجب على الهيئة العليا للصحة أن تساهم مع الوكالة الوطنية للتأمين عن المرض في تحديد التكلفة من خلال مقارنة الأسعار مع بلدان ذات دخل مماثل وأحيانًا حتى مع بعض البلدان الغنية. بنفس المنهجية، عرفت أسعار الأدوية مؤخرًا تخفيضات مهمة. في بعض الأحيان، كانت أغلى في المغرب من فرنسا أو بلجيكا. نفس الوضع بالنسبة لبعض الأعمال الطبية. لذلك، فيجب أن تصبح مراقبة أسعار الأدوية وتعريفة العلاجات دائمة.

الاعتماد

يُعدُّ تقييم جودة الخدمات لجميع المؤسسات الصحية من بين المهام الرئيسية المخولة لهذه الهيئات في البلدان الأخرى. في المغرب، لن تتكلف الهيئة مباشرة بالاعتماد. لقد تم تفويضه إلى “نظام” آخر (دون ذكر اسمه). هل يعني هذا أن الهيئة لن تكون مستقلة بما فيه الكفاية أو أنها لا تملك الاستقلالية والتقنية اللازمتين؟ يبدو أن الوزير الحالي أخذ العبرة من متاعب الوزير السابق، بروفسور الوردي، في محاولته تقنين الاعتماد، وتم توقيف المشروع وهو في المهد بعد معارضة ممثلي المصحات الخاصة. لم تؤخذ بعين الاعتبار حاجة المرضى والمتقاضين إلى معايير تنظيمية وطنية (منشورة في الجريدة الرسمية) تهتم بجودة الرعاية كاحترام أساسي للحق في الحياة وسلامة المرضى، وكذلك لضمان حقوق الأطباء ومقدمي الرعاية. تجدر الإشارة إلى أن بعض المؤسسات تحاول احترام معايير داخلية وخاصة. من جهة أخرى، لا تشير المادة 31 إلى المعايير الدولية، في حين أن المنظمة العالمية للصحة توصي بمعايير فعالة وغير مكلفة.

المجموعات الصحية الترابية والجهوية المتقدمة

المجموعات المحدثة بموجب القانون الجديد، مسؤولة عن تنفيذ سياسة الدولة في المجال الصحي، ولكن في الاتجاه من الأعلى إلى الأسفل. المركزية تهيمن على النص. حتى الخريطة الصحية يتم تأسيسها أولا على المستوى الوطني قبل المحلي. لا يمكن تحديث الخريطة إلا في حالة حدوث تغيير في الخريطة الصحية الوطنية. ليس هنالك اتجاه معاكس من الجهة إلى المركز (من أسفل إلى أعلى).

من ناحية أخرى، تقتصر مسؤولية المجموعات الصحية الترابية في تحديد حاجيات السكان في الخدمات الصحية لمؤسسات القطاع العام فقط (المادة 19). هل نفهم من هذا أن الخريطة الصحية لا تهم القطاع الخاص كما هو الحال في القانون الإطار السابق؟ الخريطة الصحية هي أول أداة لمكافحة الفوارق الترابية، وإلا فإن العرض سيظل مركّزًا في المدن الكبرى.

إن إضفاء الطابع اللامركزي على السياسة الصحية، بمشاركة السلطات المحلية وخاصة الجهوية، لم يتم بعد تضمينه في النص الحالي. حتى اللاتمركز يواجه برفض المركز العنيد لنقل بعض الاختصاصات، وتعيين مسؤولين جهويين ذوو كفاءة، في تناقض صريح مع مشروع الجهوية المتقدمة.

من خلال دراسة مضامين القانون الإطار، يمكن أن نؤكد أننا ما زلنا بعيدين لسنوات ضوئية عن الديمقراطية الصحية التي تمكن المرضى الممثلين في الجمعيات المختصة والمستخدمين أن يلعبوا دورًا في المجموعات الصحية الترابية.

الرقمنة والملف الطبي المشترك ومسار الرعاية في سلة واحدة

في 2011، تم التخطيط بطريقة متأخرة عن باقي القطاعات، لتمكين قطاع الصحة من نظام معلوماتي “لتقييم جودة الرعاية”؛ وكان هذا النظام يهدف أيضًا إلى جمع البيانات المتعلقة بمؤسسات الرعاية العامة والخاصة. السؤال الكبير هو كيف يمكن لهذه الوزارة ذات الوسائل المحدودة حاليا أن تؤطر عمليات معقدة جدا كاختيار وشراء برمجيات (logiciels) وتكييفها مع الاستعمالات الحالية الموجودة في برامج كل مؤسسة صحية وإدماج التطبيقات المختلفة؟ من سيقوم بكتابة أدلة الإجراءات (Manuels de procédures) الاستقبال، الفوترة، المحاسبة، ملف المريض، الخدمات اللوجستية، إدارة الموارد البشرية ...، وتكوين كافة المستعملين، وضمان جودة، وسلامة نظام متكامل ومندمج لجميع مؤسسات الرعاية العامة والخاصة؟ حتى الآن، لا تزال الإيصالات المقدمة للمرضى في المستشفيات العامة، تكتب يدويًا من قبل أمين الصندوق ونسخها بواسطة ورقة الكربون.

تجدر الإشارة إلى أن إدارة هذا النوع من المشاريع تتطلب عدة سنوات والعديد من المهارات: المهندسين ومحللي البيانات والفنيين والمراسلين التقنيين في المؤسسات الرئيسية (الرعاية الصحية الأولية، المستشفيات الإقليمية، الجهوية أو الجامعية). على سبيل المثال، سيستغرق تجهيز مستشفى ابن رشد بنظام معلوماتي أكثر من 40 شهرًا. وبما أن كل CHU قد طور نظامه بدون تنسيق مع المتشفيات الأخرى، فقد يتطلب تكامل وتجانس جميع أنظمة المعلوماتية الحالية مزيدًا من الوقت. كل هذه العمليات مركبة وشائكة. لإكمال هذه المهمة على نطاق واسع، يجب على الوزارة أن تقوم بحملة واسعة لتوظيف هذه المهارات المرغوب فيها عالميا. السيد لحليمي، المندوب السامي للتخطيط (HCP) أعلن في يوليوز الماضي أن “الإصلاح الحقيقي للإدارة لا يمكنه القيام به بالأجور التي تمارس حاليًا” وشكك في الإنجازات المستقبلية للرقمنة. ولا ينبغي أن ننسى مقاومة التغيير، لأن الرقمنة تجعل العمليات الإدارية أكثر شفافية وتقلل من إمكانيات الفساد والرشوة.

بالإضافة إلى ذلك، يجب أن تكون سلامة النظام المعلوماتي متطورة ومطروحة في بداية تصميم النظام. خضعت فرنسا إلى ما يقرب من 380 هجوم سيبراني في عام 2021، عطل بشكل كبير الأداء الطبيعي للخدمات والمستشفيات المعنية وخاصة العلاج. وطالب المتسللون (Hackers) بفديات كبيرة. التزمت الدولة باستثمار مبالغ ضخمة لضمان أمان أنظمة المعلوماتية مستقبلا.

بعد ذلك، من المُحتمل جداً أن تواجه الرقمنة معارضة قوية من طرف العديد من المهنيين لملأ بيانات الرعاية الصحية خوفاً من ضبط أخطاء التشخيص والعلاج. سيكون للرقمنة دور مهم للغاية لمستقبل الطب والحماية الاجتماعية. بفضلها، ستُعزز الرقابة الطبية لمؤسسات التأمين الاجباري عن المرض في ملفات الاسترجاع أو التحملات. سيخاف بعض مهني القطاع الليبرالي مرتكبي التصريحات الخاطئة من المراجعات الضريبية.  سوف ينزعجون كذلك من الرقمنة كأداة لتحقيق خطوة أخرى في طريق العدالة والشفافية الجبائية. ستكون معركة طويلة وستُجابَه في البداية بذريعة مبدأ السرية الطبية وبتكلفة المعدات وآليات التواصل الحديثة. من سيدفع التكاليف الضخمة لتجهيز كل المهنيين؟

بلا رقمنة، ليس هنالك ملف طبي ولا مسار العلاجات

بالإضافة إلى ذلك، فإن فرض مسار منسق للعلاجات (المادة 29) في جميع أنحاء البلاد وحتى في الجهات التي لا توجد فيها مستشفيات القرب، سوف يجعل المرضى وعائلاتهم يقطعون مسافات طويلة (تتراوح من 20 إلى 500 كم) للذهاب إلى المستشفى الإقليمي، ثم الجهوي قبل الوصول إلى المركز الاستشفائي الجامعي إذا لزم الأمر ذلك. هذا واقع المرضى في المناطق النائية، كالجهة الشرقية، وجهة درعة تافيلالت الشاسعة حيث يكون مسار الرعاية كمسار المحارب. يجب تقليص مسار العلاجات وشرحه جيدًا للمواطنين والموظفين قبل فرضه. وإلا، فإنه سيؤدي إلى مآسي حقيقية من قبل بعض المهنيين ورجال أمن المستشفيات الدين سيرفضون الولوج بدعوى أن سكن المريض (مثلا في حالة سفر) لا يوجد في المجال الترابي للمستشفى.

سيواجه مسار الرعاية، الذي يفرض، في القطاع الخاص، المرور الإلزامي عند الطبيب العام قبل الذهاب إلى الأطباء المتخصصين، مقاومة قوية.  هذا مع العلم أن نسبة الأطباء العامين لا تتجاوز 30% من مجموع أطباء المغرب. كان من المفروض دراسة المفاهيم الرئيسية الموجودة في الأقطار الأخرى كالطبيب المرجعي أو طبيب الأسرة أو الطبيب المعالج واحتمال تطبيقها محليا. المادة 12 من القانون التي فرضت هدا المسار استقطبت كل الانظار وهمشت نقاش المواضيع المهمة الأخرى.

استنتاجات

القانون الإطار الجديد لا يصلح بعمق وبشكل جدري المنظومة الصحية، بل أنه يسجل تراجعات عن النص القديم في المضمون كما في الشكل. سوف يواجه نفس المخاطر واحتمالات الفشل. هذه الصعوبات معروفة ويسهل التنبؤ بها. بالإضافة إلى مسار العلاج والرقمنة والملف الطبي المشترك وقلة الموارد البشرية والتمويل (أنظر أعلاه)، ستكون هناك معارك أخرى ستظهر أثناء كتابة المعايير التنظيمية الوطنية للنظافة والسلامة والجودة وأيضًا حول تعيين أعضاء المؤسسة المكلفة باعتماد مؤسسات الرعاية الصحية التي قد لا ترى النور قريبا أو أبدا.

بما أن المنهجية لم تتغير، وكذلك قواعد اللعبة، وموقف الأطراف الفاعلة، والموارد، والحوكمة، والتشتت المؤسساتي، كيف يمكن لهذا القانون الإطار تحقيق الأهداف التي يعود معظمها إلى 11 سنة خلت؟ لم يتم تقديم أي تحليل لأسباب الفشل. كيف يمكننا بعد ذلك أن نجد في هذا النص إرادة سياسية جديدة للتغيير الحقيقي للأشياء؟ لإصلاح هذه المنظومة، فإن نهج الإدارة الفعالة المؤسساتية والتطبيقية هو المطلوب وليس تَبني قانون إطار جديد مقتبس في مجمل مواده. خاصة وأن تأخر الدولة في الإصلاح التدريجي للقطاع مند عقود سيُضعِفُ موقفها في محاورة ضغط القطاع الطبي الليبرالي. وسيكون الثمن غالياً، خاصة وأن العرض الصحي للقطاع الخاص قد تطور في حين لم يعرف عدد المستشفيات العمومية إلا تغييرا طفيفا منذ عدة سنوات (152 مستشفى في 2021).

حاول القطاع الخاص المغربي أن يحل محل الدولة في عرض العلاجات في أكبر المدن، لكنه لم يستثمر في المناطق النائية الفقيرة. كما أن الحكومة لم تقم بمسؤولياتها في وظائف التنظيم والتأطير وإنتاج المعايير وتحديد الأسعار وزجر المخالفين للقانون. يجب الإشارة إلى أن معظم الدول الغربية ذات الاقتصاد الليبرالي، يظل القطاع العام فيها في الصفوف الأولية. كل مهنيي القطاع الخاص الذين قبلوا التعاقد مع التأمين عن المرض يحترمون التعريفة والتصنيفات والقرارات. حين تفاقمت الفوارق الاجتماعية في جميع أنحاء العالم خلال الأزمة الصحية، ظهرت أهمية الحماية الاجتماعية لكل الدول. لكن، لا يمكن أن تحكم صحة المواطنين قواعد تجارية مجملها موجهة للقطاع الخاص في بلد دخل سكانه منخفض، في حين أن القانون المغربي يؤكد دائما أن الطب ليس تجارة.

كيف سيتمكن وزير الصحة من إدارة أحسن للتكوين والبحث العلمي؟ في حين أن مساهمة وزارته في الإصلاح المعقد والثقيل للحماية الاجتماعية لا تزال محدودة لأن الوصاية الإدارية والمالية للمنظمات الرئيسية في تسيير الحماية الاجتماعية (CNOPS, CNSS, CMR, RCAR…)،  جلهم تحت الوصاية التقنية والمالية لوزارة الاقتصاد والمالية، لأن الناحية المالية تهيمن على جميع الجوانب الأخرى.

يشهد القطاع الصحي العديد من الاختلالات حسب تصريح الوزير في غشت 2022 أمام اللجنة الاجتماعية لغرفة المستشارين. وكأنه يوجه انتقادات للدولة ويحملها مسؤولياتها التاريخية. مع ذلك، ولحد الآن، تبقى مجهودات الوزارة في مجالات الوقاية أو التدخين أو السمنة أو حوادث في الشعل محدودة للغاية وغير فعالة. تعد الصحة واحدة من القطاعات الثلاثة الأولى لعدم الرضا المرتفقين وبين الأكثر عرضة للفساد والرشوة (ترانسپارانسي المغرب).

نخشى أن يمر هذا المشروع دون أي تعديل، كما كان الحال مع قانون الإطار للحماية الاجتماعية الذي عبر المراحل التشريعية في الغرفتين بسرعة البرق، دون أدنى تعديل. لم ينخرط الناس فيه بطواعية. كان من الضروري إنفاق مبالغ ضخمة في الإعلانات لجلب بعضهم. لنجاح أي تشريع يتعلق بالحقوق الاجتماعية، توصي اتفاقية منظمة العمل الدولية 102 أن يكون هناك نقاش مفتوح ومحترم مع الرأي العام والمجتمع المدني والشركاء الاجتماعيين. وإلا، فإن هذه التشريعات محكوم عليها بالفشل أو لن يكون لديها إلا فرص ضئيلة لتحقيق أهدافها.

نستغرب كثيرا لكيفية التواصل التي تنهجها الوزارة مع المهنيين الصحيين المكونين في المغرب باللغة الفرنسية، إذ لا وجود لمشروع القانون الإطار إلا في نسخته بالعربية، كما هو الشأن مع القانون الإطار المتعلق بالحماية الاجتماعية (09-21) الذي تم نشره باللغة العربية فقط على عكس قوانين أخرى قدمت في نفس اليوم باللغتين الفرنسية والعربية؟ بطريقة غير مسبوقة، لم تنشر الأمانة العامة للحكومة، وهذا من مهامها، على موقعها الرسمي الترجمة الرسمية بالفرنسية لقانون معمول به منذ عام ونصف.

لكن، هل يستجيب هذا المشروع لخصائص نظام صحي وطني، أقرب، وأكثر نجاعة، وأكثر إنسانية، وأكثر شمولاً، وأكثر وقائية، وكلفة وعدلا؟ سوف تجيبنا السنوات المقبلة عن ذلك. كما يجب أن ننتظر، في غضون الأيام القليلة المقبلة، دراسة محتوى مشروع القانون المالي لعام 2023، لمعرفة ما إذا كانت الدولة التي تسمي نفسها بالاجتماعية قد منحت الميزانية والمناصب الكافية لتفي بوعودها الكثيرة.

 

Aucun commentaire:

Enregistrer un commentaire